responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 74
وَالْجَوَابُ: أَنَّ الَّذِي قَالَهُ تَمْوِيهٌ عَجِيبٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا حَاصِلُهَا يَرْجِعُ إِلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّهُ يُرِيدُ إِزَالَةَ ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَإِذَا قَالَ الْمَرِيضُ لِلطَّبِيبِ: أُرِيدُ أَنْ تَدْخُلَ عَلَيَّ فِي وَقْتِ مَرَضِي، كَانَ مَعْنَاهُ: أُرِيدُ أَنْ تَسْعَى فِي إِزَالَةِ مَرَضِي، وَإِذَا قَالَ لَهُ: أُرِيدُ أَنْ تُطَيِّبَ جِرَاحَتِي كَانَ مَعْنَاهُ: أُرِيدُ أَنْ تُزِيلَ عَنِّي هَذِهِ الْجِرَاحَةَ، وَإِذَا قَالَ السُّلْطَانُ: اقْتُلُوا الْبُغَاةَ حَالَ إِقْدَامِهِمْ عَلَى الْحَرْبِ، كَانَ مَعْنَاهُ: طَلَبَ إِزَالَةِ تِلْكَ الْمُحَارَبَةِ وَإِبْطَالِهَا وَإِعْدَامِهَا، فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ وَالْمَطْلُوبَ فِي كُلِّ هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ إِعْدَامُ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَإِزَالَتُهُ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ وَجُودُهُ مُرَادًا بِخِلَافِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ إِزْهَاقَ نَفْسِ الْكَافِرِ لَيْسَ عِبَارَةً عَنْ إِزَالَةِ كُفْرِهِ، وَلَيْسَ أَيْضًا مُسْتَلْزِمًا لِتِلْكَ الْإِزَالَةِ، بَلْ هُمَا أَمْرَانِ مُتَنَاسِبَانِ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا الْبَتَّةَ، فَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ أَرَادَ إِزْهَاقَ أَنْفُسِهِمْ حَالَ كَوْنِهِمْ كَافِرِينَ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُرِيدًا لِكَوْنِهِمْ كَافِرِينَ حَالَ حُصُولِ ذَلِكَ الْإِزْهَاقِ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ أَلْقَى فُلَانًا حَالَ كَوْنِهِ فِي الدَّارِ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَدْ أَرَادَ كَوْنَهُ فِي الدَّارِ، وَتَمَامُ التَّحْقِيقِ فِي هَذَا التَّقْدِيرِ: أَنَّ الْإِزْهَاقَ فِي حَالِ الْكُفْرِ يَمْتَنِعُ حُصُولُهُ إِلَّا حَالَ حُصُولِ الْكُفْرِ، وَمُرِيدُ الشَّيْءِ مُرِيدٌ لِمَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ، فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ الْإِزْهَاقَ حَالَ الْكُفْرِ، وَثَبَتَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ شَيْئًا فَقَدْ أَرَادَ جَمِيعَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ، لَزِمَ كَوْنُهُ تَعَالَى مُرِيدًا لِذَلِكَ الْكُفْرِ، فَثَبَتَ أَنَّ الأمثلة التي أوردها الجبائي محض التمويه.

[سورة التوبة (9) : الآيات 56 الى 57]
وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ كَوْنَهُمْ مُسْتَجْمِعِينَ لِكُلِّ مَضَارِّ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا، خَائِبِينَ عَنْ جَمِيعِ مَنَافِعِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا، عَادَ إِلَى ذِكْرِ قَبَائِحِهِمْ وَفَضَائِحِهِمْ، وَبَيَّنَ إِقْدَامَهُمْ عَلَى الْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ فَقَالَ: وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ أَيِ الْمُنَافِقُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ إِذَا جَالَسُوهُمْ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ أَيْ عَلَى دِينِكُمْ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَما هُمْ مِنْكُمْ أَيْ لَيْسُوا عَلَى دِينِكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ الْقَتْلَ، فَأَظْهَرُوا الْإِيمَانَ وَأَسَرُّوا النِّفَاقَ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ [الْبَقَرَةِ: 14] وَالْفَرَقُ الْخَوْفُ، وَمِنْهُ يُقَالُ: رَجُلٌ فَرُوقٌ. وَهُوَ الشَّدِيدُ الْخَوْفِ، وَمِنْهَا: أَنَّهُمْ لَوْ وَجَدُوا مَفَرًّا يَتَحَصَّنُونَ فِيهِ آمِنِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْكُمْ لَفَرُّوا إِلَيْهِ وَلَفَارَقُوكُمْ، فَلَا تَظُنُّوا أَنَّ مُوَافَقَتَهُمْ إِيَّاكُمْ فِي الدَّارِ وَالْمَسْكَنِ عَنِ الْقَلْبِ، فَقَوْلُهُ: لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً الْمَلْجَأُ: الْمَكَانُ الَّذِي يُتَحَصَّنُ فِيهِ، وَمِثْلُهُ اللَّجَأُ مَقْصُورًا مَهْمُوزًا، وَأَصْلُهُ مِنْ لَجَأَ إِلَى كَذَا يَلْجَأُ لَجْأً بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْجِيمِ، وَمِثْلُهُ الْتَجَأَ وَأَلْجَأْتُهُ إِلَى كَذَا، أَيْ جَعَلْتُهُ مُضْطَرًّا إِلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ مَغاراتٍ هِيَ جَمْعُ مَغَارَةٍ، وَهِيَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَغُورُ الْإِنْسَانُ فِيهِ، أَيْ يَسْتَتِرُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كُلُّ شَيْءٍ جُزْتَ فِيهِ فَغِبْتَ فَهُوَ مَغَارَةٌ لَكَ، وَمِنْهُ غَارَ الْمَاءُ فِي الْأَرْضِ وَغَارَتِ الْعَيْنُ. وَقَوْلُهُ: مُدَّخَلًا قَالَ الزَّجَّاجُ: أَصْلُهُ مُدْتَخَلٌ وَالتَّاءُ بَعْدَ الدَّالِ تُبْدَلُ دَالًا، لِأَنَّ التَّاءَ مهموسة، والدال مهجورة، وَهُمَا مِنْ مَخْرَجٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مُفْتَعَلٌ مِنَ الدُّخُولِ، كَالْمُتَّلَجِ مِنَ الْوُلُوجِ. وَمَعْنَاهُ: الْمَسْلَكُ الَّذِي يُسْتَتَرُ بِالدُّخُولِ فِيهِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ وَابْنُ زَيْدٍ: نفقا كنفق اليربوع. والمعنى: أنهم لوجدوا مَكَانًا عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ، مَعَ أَنَّهَا شَرُّ الْأَمْكِنَةِ لَوَلَّوْا إِلَيْهِ أَيْ رَجَعُوا إِلَيْهِ. يُقَالُ: وَلَّى بِنَفْسِهِ إِذَا انْصَرَفَ وَوَلَّى غَيْرَهُ إِذَا صَرَفَهُ وَقَوْلُهُ: وَهُمْ يَجْمَحُونَ أَيْ يُسْرِعُونَ إِسْرَاعًا لَا يَرُدُّ وُجُوهَهُمْ شَيْءٌ، وَمِنْ هَذَا يُقَالُ: جَمَحَ الْفَرَسُ وَهُوَ فَرَسٌ جَمُوحٌ، وَهُوَ الَّذِي إِذَا حَمَلَ لَمْ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 74
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست